التصميم الذكي نظرية ام هراء؟
منذ
فترة قصيرة تكونت حركة في امريكا قامت بوضع
الادعاء القديم عن الخلق بصورة جديدة لتسويقه تحت راية العلم.
هذه الحركة تدعي ان الكثير من الظواهر الطبيعية
تبدو وكأنه جرى تصميمها من قبل " عقل ذكي"،
وتنفي ان يكون سبب نشوءها سلسلة طويلة من عمليات التطور.
هذا الطرح يسوق تحت اسم نظرية " التصميم الذكي"،
ويناضل اتباعها لادخالها في المناهج الدراسية،
بالرغم من ان الاغلبية المطلقة لعلماء البيلوجيا لايعترفون بهذا الطرح،
وبالرغم من ان المؤسسات العلمية على الاطلاق تؤكد عدم
علمية هذا الطرح . فماهي حيثيات الموضوع؟
الغالبية تتفق على ان الكائنات الحية اكثر تعقيدا من غيرها، فحبة الكستناء اكثر تعقيدا من الحجر، وإذا وضعناهم في التراب فإن الكستناء وحدها التي سيطرأ عليها تغييرات بنيوية. في بطن الكستناء توجد شبكة معقدة من الخلايا والاحماض الامينية تجعل الحبة تنمو وتتحول الى شجرة.
تشارلز داروين وصف لاول مرة قواعد التطور في القرن الثامن عشر، ومن تبعه من العلماء قاموا ببناء وتشذيب النظرية الاصلية بالمعرفة الاحدث التي توصلوا اليها، بما فيه من خلال معطيات علم الوراثة. بإختصار تقول نظرية التطور أن التنوع الجيني بين الافراد بالترابط مع الصراع على الطعام يؤدي الى ان الافراد ذو البنية الاكثر مناسبة هم الذين سيتاح لهم الحياة لفترة اطول وايضا الفرصة لانجاب اطفال اكثر. لهذا السبب ستسود جيناتهم مع الزمن، هذا الامر يتفق الكثيرين معه.
بعض الاوساط، بما فيه في امريكا، تتدعي ان التطور لايمكنه تفسير كل شئ في مجال البيلوجيا. انهم يعترفون بأن هناك شئ من التطور الطبيعي يحدث، وانه قد ادى الى نمو الكستناء ولكنهم يشيرون الى ان بعض الظواهر البيلوجية من التعقيد في بنيتها الداخلية الى درجة انه من المستحيل ان تكون نتيجة تراكم متتدرج في عملية تطور. الاستنتاج الوحيد، حسب اتباع هذه النظرية، انه لابد ان يكون قد جرى تصميمهم تماما كما هم الان ونشأوا جاهزين في شكلهم النهائي وبالتالي فهناك مصمم ذكي يجب اخذه في الاعتبار، وهنا تنتهي قدرتهم على التعبير في تعريف ماذا يعنون من تعبير "المصمم الذكي" وتنتهي حتى وحدتهم حول هذا المفهوم.
ان الافراد الذين يدافعون عن هذا الطرح لايشيرون الى اسم لهذا المصمم المحتمل او مايعنيه، وبالتالي يتركون الباب مفتوحا لكل فرد ان يتصور مايناسبه ومايناسب قناعاته، وعلى الاغلب هذا بالذات مايسعون اليه ومايكفيه. من الممكن ان يكون المقصود مختلف المصادر من كائنات قادمة من اكوان اخرى الى مختلف انواع الالهة المتتداولة في القناعات الدينية السائدة، وكل امرء يستطيع اطلاق العنان لتخيلاته الخاصة، ولذلك نجد ان اغلبية العلماء لايستطيعون اخذهم بجدية. ولكن لماذا لايمكن قبول مثل هذه الاحتمالات التي يقدمونها؟ ولماذا يعتبرها العلماء تفكير غير علمي لايستحق الاهتمام؟
احدى الاعمدة الرئيسية في هذه النظرية هو مفهوم "التعقيد الغير قابل للتنقيص او الارجاع"،
Irreducible complex system.
هذا المفهوم ابتدعه احد اشهر اتباع هذه النظرية البيوكيميائي الامريكي
Michael Behe.
ميتشيل بيه يوضح هذا المفهوم بكون بعض الظواهر البيلوجية من التعقيد الى درجة انهم يؤدون وظائفهم فقط عند وجود مجموعة اخرى من الاجزاء موجودة بحالة وظيفية كاملة، ويشير الى انه لايمكن تصور وجود مرحلة انتقالية وسطية قابلة للحياة تسمح بالتطور من حالة بسيطة الى الحالة المعقدة. اعتمادا على هذه المقدمة لابد ان يكون الاستنتاج الوحيد الممكن ان يكون هناك من صممها في حالتها الجاهزة، وقام بتركيبها على الفور في الحالة المعقدة. من الامثلة على هذه الظواهر المعقدة الغير قابلة للتنقيص او للارجاع يقدم لنا الد.ن.آ، و نظام المناعة..
من المثير ان تشارلز داروين قد تنبأ بهذا النوع بالذات من النقد في كتابه " اصل الانواع" حيث كتب " إذا كان هناك من يستطيع ان يبرهن على وجود عضو معقد من اعضاء كائن حي، لايمكنه ان يظهر من خلال مراحل متعددة ومتتابعة لتغييرات صغيرة، فسيؤدي ذلك الى انهيار النظرية الكامل". غير انه كان يقصد ان مثل هذا " العضو" غير موجود ومن غير الممكن وجوده.
مفهوم " التعقيد الغير قابل للتنقيص" قام العلماء بدحضه بعدة حجج، ومنها ان الحالة الانتقالية التي يعتقد ميتشيل بيه انها مستحيلة بدون الوجود المسبق للنظام المعقد، لاتتطلب بالضرورة ان يكون العضو المعني به ربع او نصف مكوناته الحالية ولكن بالامكان ان يكون اقسام من اجزاءه داخلة في تركيب اجزاء اخرى لها وظائف بيلوجية اخرى. البيلوجيا تقدم لنا عشرات الامثلة على مثل هذه الحالة الديناميكية. كنموذج على مثل هذه التحولات يمكن ذكر
Krebs Cykel
والتي هي عبارة عن تفاعل كيميائي بالارتباط مع التبادل الغذائي. البروتينات الداخلة في هذا التفاعل ظهر ان لهم وظائف اخرى ايضا، بالرغم من انها ليست وظائفهم الرئيسية، مما يشير الى إمكانية نشوء وظائف ثانوية وإمكانية تحولها الى وظائف رئيسية، هذا الامر نراه بوضوح ايضا في مورفولوجيا نشوء السمع عند ظهور الحيوانات البرية، حيث تشير الدلائل ان تفاصيل الاذن عند الحيوانات البرية تطورت عن جهاز التنفس عند الاسماك وبالتالي لايمكن استبعاد وجود اسباب اخرى لمبررات نشوء الاعضاء المعقدة غير الظاهرة لنا اليوم.
المعضلة مع نظرية المصمم الذكي
ينقسم النقد الموجه الى نظرية التصميم الذكي الى نوعين هم: رفض حجج النظرية من خلال الوقائع والمعطيات التي تبرهن على عدم صحتها، او من خلال الاشارة الى انها بذاتها نظرية قائمة على اسس غير علمية، وبالتالي لايمكنها بحال من الاحوال الوصول الى معطيات قادرة على ان تحل محل اي نظرية علمية على الاطلاق، غير ان كلا الطريقين لديهم نواقصهم.
عندما يقوم العلماء بالبرهنة على عدم صحة حجج اتباع هذه النظرية، مثلا البرهنة على وجود مراحل تطورية انتقالية للظاهرة المعقدة، يكونوا عمليا قد تعاملوا مع النظرية كما يتعاملون مع النظريات العلمية. نحن نعلم ان استخدام المعطيات العلمية للبرهنة على عدم صحة " فرضية" من الفرضيات لايعني ان الفرضية بذاتها غير علمية، بل على العكس. حسب الضوابط الكلاسيكية لمنهج البحث العلمي فأنه من الضروري للنظرية حتى تكون علمية ان تكون دائما في وضع يسمح بنقدها بهدف البرهنة على عدم صحتها. لذلك فأن فرضية خاطئة يمكن ان تكون علمية، فتاريخ العلم ممتلئ بالفرضيات الفاشلة.
إذا اختار العلماء ان يبرفضوا النظرية لكونها تقدم بضوابط غير علمية، لايعني ذلك اوتوماتيكيا ان مضمونها خاطئ. القول بأن الفرضية مطروحة بشكل غير علمي لايعني انه قول قد وضع المحتوى تحت الاختبار وبرهن على عدم صحته، بالرغم من ان هذا بذاته لايعني بالضرورة ان المحتوى صحيح، كما ان من الممكن تماما ان تكون هناك حقائق خارج نطاق كوننا الخاص.
بفضل الانجازات الهائلة تمكن العلم اليوم من فرض احترامه في وعي الملايين، لذلك فأن مساعي اتباع نظرية المصمم الذكي للاعتراف بنظريتهم على انها علمية يكمن سببه في الرغبة لتقاسم مكاسب العلم من الاحترام وإستغلال ذلك لتبرير التغلغل الى مجموعات جديدة، اكثر من كونه بسبب انهم تمكنوا من البرهنة على شئ ما على الاطلاق او انهم قدموا للعلم خدمة فعلية.
التعارض بين النظرية والعلم
إذا اعتبرنا ان النموذج المقدم على انه " التعقيد الغير قابل للتنقيص" غير صحيح، فهذا يجعل نظرية المصمم الذكي خاطئة ولكن لايجعلها بالضرورة غير علمية. ماهو المطلوب من اجل إطلاق صفة اللاعلمية على نظرية ما؟
في الحقيقة لايوجد تعريف ثابت للعلوم الطبيعية. البحث العلمي عادة معقد وتتداخل فيه مختلف العلوم، ولذلك فمضمون العلم اختلف من زمن الى اخر ومن شخص الى اخر. ومع ذلك فقد جرى استخدام العديد من المعايير. احداها هو مبدأ ان المفهوم العلمي يجب ان يكون بالامكان البرهنة عليه، تجربته ونقده. هذا المبدأ من الصعب على الكثير من النظريات مراعاته بمافيه اجزاء من نظرية التطور، ومع ذلك فهي قاعدة يتفق من حيث المبدأ اغلب العلماء عليها.
احدى القواعد الاخرى ان ان العلوم الطبيعية لابد ان تكون توضيحاتها على الاطلاق ذات جذور طبيعية قائمة على علاقة واضحة بين الفعل والسبب. غير ان مثل هذه القاعدة تحتاج الى توضيح المعنى من تعبير " طبيعي". اليوم نعلم ان في مجال فيزياء الكفانت (الكم) يظهر وكأن الميكانيك الذي يتحكم بجزيئات الذرة ليس على الدوام له معنى مترابط مع الفعل والسبب. يمكن الاشارة ايضا الى مبدأ " القدرة على التحكم"، على الاقل نظريا، بإعتباره احدى الصفات الاخرى لعلمية الفرضية. هذا الامر يعني ان الفرضية واضحة ومحددة بما يكفي للقيام بتجربتها او ملاحظتها. واخيرا " مبدأ احتمال الخطا الضمني"، إذ انه غاليا مايقال ان استنتاجات العلوم الطبيعية ليست نهائية وانما دائما يفترض احتمال وجود الخطأ فيها، إذ ان قاعدة البحث العلمي تقوم على البحث المستمر عن الحقيقة من خلال الشك المستمر بالمعطيات، وليس من خلال الادعاء انه جرى إكتشاف الحقيقة.
بالرغم من عدم وجود تعاريف ثابتة للعلم الطبيعي، إلا انه يسود اتفاق "الجنتلمان" على القواعد المذكورة اعلاه. نظرية المصمم الذكي لاتتطابق مع اغلب القواعد اعلاه للحصول على صفة العلمية. مثلا يشار الى ان نظرية " المصمم الذكي" قد وضعت مسبقا الهدف من سعيها وهو البحث عن براهين علمية لايمانها الديني ، وبالتالي فقد وضعت الاستنتاج وتبحث له عن فرضية مناسبة تقود اليه بكل الاحوال. لهذا السبب من السهل فهم الشك الواسع الذي يحيط بإستنتاجاتهم الموجهة لتتطابق مع تمنياتهم، بالرغم من انها لاتصمد للنقد او تتطابق مع سير التفكير المنطقي. المبدأ الرئيسي الذي يتمسك به العلم ان الابحاث العلمية يجب ان تكون بعيدة عن المعتقدات والقيم المسبقة، وان تترك للنتائج وحدها تقرير الاستنتاجات بغض النظر عما اذا كانت تتطابق مع قيم الباحث المسبقة ام لا.
هناك مجموعة كبيرة من النواقص الاخرى التي تعاني منها هذه النظرية. انها لاتقدم اي فرضية او مقولة علمية يمكن البرهنة عليها او تجربتها، كما انهم لايقدمون اي ردود على البراهين التي تقدم لهم ويتابعون استخدام حججهم القديمة بدون مراعاة الردود او التعبير عن وجهة نظرهم بشانها، وانه يظهر وكأن النقد الموجه اليهم لايعنيهم على الاطلاق. احدى اهم الاعتراضات عليهم ان مايقدمونه من استنتاج عن وجود مصمم ذكي انه ليس فرضية او اقتراح قابل للنقاش وانما استنتاج نهائي ومؤكد ليس خاضع لاعادة النظر او الاعتراض، وهذا يتعارض مع كافة القواعد العلمية ويعيد الوصاية الدينية.
النظرية العلمية يجب ان تخضع لقوانين الطبيعة
المشكلة الرئيسية في نظرية المصمم الذكي انها تحيلنا الى استنتاج خارق مافوق الطبيعي. العلوم الطبيعية تصف المبادئ التي يقوم عليها العالم بإعتبارها نتيجة قوانين المادة. لهذا السبب فأن اي نظرية تشير الى ان الاسباب خارج قوانين الطبيعة لايمكنها ان تكون عائدة للعلوم الطبيعية. الظواهر البيلوجية لها دائما تفسيرات طبيعية ويجب ان تتبع مبدأ ان كل شئ مترابط مع بعضه في سلسلة من الاسباب ورد القعل.
نظرية المصمم الذكي تملك نقطة ضعف اخرى، ان "المصمم" المدعى لايمكن ان نملك عنه اي تصور او برهان او حتى قدرة على البرهنة عنه. بمعنى اخر لايمكن السيطرة على هذه النظرية. في الكتاب الشهير
"Why Intelligent Design Fail"
الذي صدر عام 2006 نجد الملاحظة التالية:" رجال العلوم المزورة يستخدمون عادة مصطلحات خاصة بهم وتعاريف ضعيفة وفضفاضة من اجل اخفاء إنعدام وجود مضمون منطقي". هذا الامر لانجده فقط عند اتباع نظرية المصمم الذكي، بل عند اغلب من يحاول اضفاء العلمية على النصوص الدينية، بما فيه اتباع الاعجازات العلمية
المحكمة تحكم بلاعلمية نظرية المصمم الذكي
في احدى المدارس الامريكية، في مدينة دوفر العائدة لولاية بنسيلفانيا قررت ادارة المدرسة عام 2004 انه سيعرض على طلبة البيلوجيا خيار بديل عن نظرية التطور هو نظرية المصمم الذكي. هذا القرار ادى الى اعتراض سبعة من اولياء امور الطلاب ، ونظروا الى الامر على انه محاولة لتسلل التعليم الديني وهو امر يتعارض مع الدستور، لذلك تم رفع الامر الى المحكمة. كانت هذه هي المرة الاولى التي تقرر فيه المحكمة مدى علمية النظرية، مما خلق اهتمام كبير
.
عام 2005 اعلن القاضي جون جونيس الثالث،
Jon Jones III
في المحكمة الفيدرالية المحلية لمدينة هاريسبورغ حكمه الذي تضمنته 139 صفحة من الدراسات والشهود والبراهين، ان نظرية التصميم الذكي نظرية غير علمية ولايجوز تدريسها في بديلا او في حصة البيلوجيا وان ادارة المدرسة خرقت الدستور الامريكي لفرضها تعليم النظرية. المحكمة اطلقت على النظرية تسمية " قصة الخلق"، وايضا "بديل ديني يختفي تحت عباءة النظرية العلمية". العديد من المؤسسات العلمية ايدت المحكمة في حكمها، ومنهم الاكاديمية الوطنية العلمية والتي كان قد وافق الطرفين على تحكيمها واعتبراها افضل المراجع العلمية في البلاد. قرار المحكمة تضمن ثلاث حجج رئيسية على عدم علمية النظرية:
الاول: نظرية التصميم الذكي تخرق القاعدة المعمول فيها في البلاد منذ اكثر من مئة سنة والتي تعارض الاشارة الى القوى الخارج الطبيعة لتفسير الظواهر الطبيعية.
الثاني: مصطلح "التعقيد الغير قابل للتقليص" يستخدم نفس الحجج التي استخدمتها نظرية " الخلق" القديمة والتي كانت على الاطلاق وعلنا ذات روابط دينية وحاولت ربط الدين بالعلم.
ثالثا: طعن نظرية التصميم الذكي بنظرية التطور لاتتفق معه كافة المؤسسات العلمية وجرى رفضه جملة وتفصيلا على انه بدون اساس.
قرار المحكمة التفصيلي والقائم على شهادات العلماء ودراسات المعاهد العلمية ادى الى ردود فعل ايجابية في الكثير من المدارس الامريكية. في المدرسة المعنية سقطت الادارة القديمة في الانتخابات عام 2005.
التوضيحات الخارقة لاتوضح اي شئ
احدى اهم الاعتراضات على نظرية التصميم الذكي تتعلق بمفهوم " الاحتمالات". النظرية تتدعي ان بعض العلاقات في العالم البيلوجي من التعقيد الى درجة انه احتمال ظهورها بنتائج عملية بيلوجية متراكمة يقترب من الصفر. ولكن هل يمكن القبول بالقول ان احتمال حصول ظاهرة خارقة وغير طبيعية اكبر من احتمال حصول عملية طبيعية مهما كان الاحتمال صغيرا؟ ماهي قوة الحجة التي ترفض تفسير ظاهرة طبيعية بإحتمال صغير للغاية وتقدم تفسيرا بديلا احتماله اصغر، كما تفعل نظرية المصمم الذكي؟
ان اغلب البيلوجيين يعتبرون ان وجود مساحات لازالت نظرية التطور لاتستطيع توضيحها لايمكن ان يكون سبب لتبني تفسير يقوم على وجود إله. انهم يشيرون الى انه لايجوز استخدام مرهم " الله" لمعالجة ثغرات معرفتنا، تماما كما كان يفعل الانسان القديم الذي التجأ الى اختراع الاشباح والارواح والالهة لتغطية جهله. وإذا كنا سنقم بإستخدام مرهم الله لتغطية الثغرات المعرفية ماذا سنفعل بهذا الله بعد ان نكتشف السبب الحقيقي؟
ان الانسان تمكن من قطع مسافات هائلة على قاعدة قواعد البحث العلمي الكلاسيكي التي لايوجد فيها مكان لله، ونظريات الخلق لم تقدم للانسانية اي مكسب حقيقي على طول العصور، فلماذا علينا الان ان نتخلى عن قواعدنا لصالح القديم الذي كان لديه الكثير من الزمن للبرهنة على صلاحياته، ولماذا علينا ان نعتقد ان قواعد العلم الكلاسيكية لم تعد قادرة على تقديم المزيد من الاكتشافات؟
من الضروري الاشارة الى ان نظرية التصميم الذكي ليست النظرية الوحيدة التي تحاول ان تتوشح بوشاح العلمية للحصول على مكاسب خاصة، بل توجد هناك العديد من النظريات الممائلة ومنها ماهو معروف تحت اسم هوميباتي
: Homepati.
اتباع هذه النظرية يقومون بمعالجة المريض بمواد طبيعية كالتي يقوم جسم انسان سليم بفرزها لمعالجة عوارض مشابهة للعوارض المرغوب معالجتها عند المريض المعني. المثير في هذا العلاج ان الاكسير المقدم يضاف اليه الماء الى درجة لايبقى مركب واحد يتشابه مع المادة الفعالة الاصلية. غير ان اتباع هذه الطريقة يصرون على ان الفعالية لاتتأثر لان الاكسير يبقى " متذكر" التأثير المطلوب الذي لايزول وكأنه بصمة اصبع وتزداد قوته من خلط الماء والكحول، ولكن هذا لايمكن تفسيره او البرهنة عليه..ومع ذلك تجد لها اتباع.
نظرية اخرى تربط نفسها بعلم الفلك حيث تتدعي ان حركة الكواكب والشموس تؤثر مباشرة على مصيرنا. هذا التأثير يمكن كشفه وقرآته اذا كنا نعلم يوم الولادة ومكانه. المنجمين بعلم الافلاك يقارنون مكان النجوم المتحركة على خلفية النجوم الغير متحركة ويقسمونهم الى اثنى عشر رمز. الشمس والقمر يعتبرون كالكواكب، وحتى اسماء الكواكب تعبر انها تؤثر على مصيرنا. قراءة النجوم تجري منذ عصور ولكن في الفترة الاخيرة جرى اكتشاف كواكب جديدة. هذه المشكلة يحلها قراء النجوم من خلال الادعاء ان النجوم تؤثر علينا من لحظة اكتشافها.
الغالبية تتفق على ان الكائنات الحية اكثر تعقيدا من غيرها، فحبة الكستناء اكثر تعقيدا من الحجر، وإذا وضعناهم في التراب فإن الكستناء وحدها التي سيطرأ عليها تغييرات بنيوية. في بطن الكستناء توجد شبكة معقدة من الخلايا والاحماض الامينية تجعل الحبة تنمو وتتحول الى شجرة.
تشارلز داروين وصف لاول مرة قواعد التطور في القرن الثامن عشر، ومن تبعه من العلماء قاموا ببناء وتشذيب النظرية الاصلية بالمعرفة الاحدث التي توصلوا اليها، بما فيه من خلال معطيات علم الوراثة. بإختصار تقول نظرية التطور أن التنوع الجيني بين الافراد بالترابط مع الصراع على الطعام يؤدي الى ان الافراد ذو البنية الاكثر مناسبة هم الذين سيتاح لهم الحياة لفترة اطول وايضا الفرصة لانجاب اطفال اكثر. لهذا السبب ستسود جيناتهم مع الزمن، هذا الامر يتفق الكثيرين معه.
بعض الاوساط، بما فيه في امريكا، تتدعي ان التطور لايمكنه تفسير كل شئ في مجال البيلوجيا. انهم يعترفون بأن هناك شئ من التطور الطبيعي يحدث، وانه قد ادى الى نمو الكستناء ولكنهم يشيرون الى ان بعض الظواهر البيلوجية من التعقيد في بنيتها الداخلية الى درجة انه من المستحيل ان تكون نتيجة تراكم متتدرج في عملية تطور. الاستنتاج الوحيد، حسب اتباع هذه النظرية، انه لابد ان يكون قد جرى تصميمهم تماما كما هم الان ونشأوا جاهزين في شكلهم النهائي وبالتالي فهناك مصمم ذكي يجب اخذه في الاعتبار، وهنا تنتهي قدرتهم على التعبير في تعريف ماذا يعنون من تعبير "المصمم الذكي" وتنتهي حتى وحدتهم حول هذا المفهوم.
ان الافراد الذين يدافعون عن هذا الطرح لايشيرون الى اسم لهذا المصمم المحتمل او مايعنيه، وبالتالي يتركون الباب مفتوحا لكل فرد ان يتصور مايناسبه ومايناسب قناعاته، وعلى الاغلب هذا بالذات مايسعون اليه ومايكفيه. من الممكن ان يكون المقصود مختلف المصادر من كائنات قادمة من اكوان اخرى الى مختلف انواع الالهة المتتداولة في القناعات الدينية السائدة، وكل امرء يستطيع اطلاق العنان لتخيلاته الخاصة، ولذلك نجد ان اغلبية العلماء لايستطيعون اخذهم بجدية. ولكن لماذا لايمكن قبول مثل هذه الاحتمالات التي يقدمونها؟ ولماذا يعتبرها العلماء تفكير غير علمي لايستحق الاهتمام؟
احدى الاعمدة الرئيسية في هذه النظرية هو مفهوم "التعقيد الغير قابل للتنقيص او الارجاع"،
Irreducible complex system.
هذا المفهوم ابتدعه احد اشهر اتباع هذه النظرية البيوكيميائي الامريكي
Michael Behe.
ميتشيل بيه يوضح هذا المفهوم بكون بعض الظواهر البيلوجية من التعقيد الى درجة انهم يؤدون وظائفهم فقط عند وجود مجموعة اخرى من الاجزاء موجودة بحالة وظيفية كاملة، ويشير الى انه لايمكن تصور وجود مرحلة انتقالية وسطية قابلة للحياة تسمح بالتطور من حالة بسيطة الى الحالة المعقدة. اعتمادا على هذه المقدمة لابد ان يكون الاستنتاج الوحيد الممكن ان يكون هناك من صممها في حالتها الجاهزة، وقام بتركيبها على الفور في الحالة المعقدة. من الامثلة على هذه الظواهر المعقدة الغير قابلة للتنقيص او للارجاع يقدم لنا الد.ن.آ، و نظام المناعة..
من المثير ان تشارلز داروين قد تنبأ بهذا النوع بالذات من النقد في كتابه " اصل الانواع" حيث كتب " إذا كان هناك من يستطيع ان يبرهن على وجود عضو معقد من اعضاء كائن حي، لايمكنه ان يظهر من خلال مراحل متعددة ومتتابعة لتغييرات صغيرة، فسيؤدي ذلك الى انهيار النظرية الكامل". غير انه كان يقصد ان مثل هذا " العضو" غير موجود ومن غير الممكن وجوده.
مفهوم " التعقيد الغير قابل للتنقيص" قام العلماء بدحضه بعدة حجج، ومنها ان الحالة الانتقالية التي يعتقد ميتشيل بيه انها مستحيلة بدون الوجود المسبق للنظام المعقد، لاتتطلب بالضرورة ان يكون العضو المعني به ربع او نصف مكوناته الحالية ولكن بالامكان ان يكون اقسام من اجزاءه داخلة في تركيب اجزاء اخرى لها وظائف بيلوجية اخرى. البيلوجيا تقدم لنا عشرات الامثلة على مثل هذه الحالة الديناميكية. كنموذج على مثل هذه التحولات يمكن ذكر
Krebs Cykel
والتي هي عبارة عن تفاعل كيميائي بالارتباط مع التبادل الغذائي. البروتينات الداخلة في هذا التفاعل ظهر ان لهم وظائف اخرى ايضا، بالرغم من انها ليست وظائفهم الرئيسية، مما يشير الى إمكانية نشوء وظائف ثانوية وإمكانية تحولها الى وظائف رئيسية، هذا الامر نراه بوضوح ايضا في مورفولوجيا نشوء السمع عند ظهور الحيوانات البرية، حيث تشير الدلائل ان تفاصيل الاذن عند الحيوانات البرية تطورت عن جهاز التنفس عند الاسماك وبالتالي لايمكن استبعاد وجود اسباب اخرى لمبررات نشوء الاعضاء المعقدة غير الظاهرة لنا اليوم.
المعضلة مع نظرية المصمم الذكي
ينقسم النقد الموجه الى نظرية التصميم الذكي الى نوعين هم: رفض حجج النظرية من خلال الوقائع والمعطيات التي تبرهن على عدم صحتها، او من خلال الاشارة الى انها بذاتها نظرية قائمة على اسس غير علمية، وبالتالي لايمكنها بحال من الاحوال الوصول الى معطيات قادرة على ان تحل محل اي نظرية علمية على الاطلاق، غير ان كلا الطريقين لديهم نواقصهم.
عندما يقوم العلماء بالبرهنة على عدم صحة حجج اتباع هذه النظرية، مثلا البرهنة على وجود مراحل تطورية انتقالية للظاهرة المعقدة، يكونوا عمليا قد تعاملوا مع النظرية كما يتعاملون مع النظريات العلمية. نحن نعلم ان استخدام المعطيات العلمية للبرهنة على عدم صحة " فرضية" من الفرضيات لايعني ان الفرضية بذاتها غير علمية، بل على العكس. حسب الضوابط الكلاسيكية لمنهج البحث العلمي فأنه من الضروري للنظرية حتى تكون علمية ان تكون دائما في وضع يسمح بنقدها بهدف البرهنة على عدم صحتها. لذلك فأن فرضية خاطئة يمكن ان تكون علمية، فتاريخ العلم ممتلئ بالفرضيات الفاشلة.
إذا اختار العلماء ان يبرفضوا النظرية لكونها تقدم بضوابط غير علمية، لايعني ذلك اوتوماتيكيا ان مضمونها خاطئ. القول بأن الفرضية مطروحة بشكل غير علمي لايعني انه قول قد وضع المحتوى تحت الاختبار وبرهن على عدم صحته، بالرغم من ان هذا بذاته لايعني بالضرورة ان المحتوى صحيح، كما ان من الممكن تماما ان تكون هناك حقائق خارج نطاق كوننا الخاص.
بفضل الانجازات الهائلة تمكن العلم اليوم من فرض احترامه في وعي الملايين، لذلك فأن مساعي اتباع نظرية المصمم الذكي للاعتراف بنظريتهم على انها علمية يكمن سببه في الرغبة لتقاسم مكاسب العلم من الاحترام وإستغلال ذلك لتبرير التغلغل الى مجموعات جديدة، اكثر من كونه بسبب انهم تمكنوا من البرهنة على شئ ما على الاطلاق او انهم قدموا للعلم خدمة فعلية.
التعارض بين النظرية والعلم
إذا اعتبرنا ان النموذج المقدم على انه " التعقيد الغير قابل للتنقيص" غير صحيح، فهذا يجعل نظرية المصمم الذكي خاطئة ولكن لايجعلها بالضرورة غير علمية. ماهو المطلوب من اجل إطلاق صفة اللاعلمية على نظرية ما؟
في الحقيقة لايوجد تعريف ثابت للعلوم الطبيعية. البحث العلمي عادة معقد وتتداخل فيه مختلف العلوم، ولذلك فمضمون العلم اختلف من زمن الى اخر ومن شخص الى اخر. ومع ذلك فقد جرى استخدام العديد من المعايير. احداها هو مبدأ ان المفهوم العلمي يجب ان يكون بالامكان البرهنة عليه، تجربته ونقده. هذا المبدأ من الصعب على الكثير من النظريات مراعاته بمافيه اجزاء من نظرية التطور، ومع ذلك فهي قاعدة يتفق من حيث المبدأ اغلب العلماء عليها.
احدى القواعد الاخرى ان ان العلوم الطبيعية لابد ان تكون توضيحاتها على الاطلاق ذات جذور طبيعية قائمة على علاقة واضحة بين الفعل والسبب. غير ان مثل هذه القاعدة تحتاج الى توضيح المعنى من تعبير " طبيعي". اليوم نعلم ان في مجال فيزياء الكفانت (الكم) يظهر وكأن الميكانيك الذي يتحكم بجزيئات الذرة ليس على الدوام له معنى مترابط مع الفعل والسبب. يمكن الاشارة ايضا الى مبدأ " القدرة على التحكم"، على الاقل نظريا، بإعتباره احدى الصفات الاخرى لعلمية الفرضية. هذا الامر يعني ان الفرضية واضحة ومحددة بما يكفي للقيام بتجربتها او ملاحظتها. واخيرا " مبدأ احتمال الخطا الضمني"، إذ انه غاليا مايقال ان استنتاجات العلوم الطبيعية ليست نهائية وانما دائما يفترض احتمال وجود الخطأ فيها، إذ ان قاعدة البحث العلمي تقوم على البحث المستمر عن الحقيقة من خلال الشك المستمر بالمعطيات، وليس من خلال الادعاء انه جرى إكتشاف الحقيقة.
بالرغم من عدم وجود تعاريف ثابتة للعلم الطبيعي، إلا انه يسود اتفاق "الجنتلمان" على القواعد المذكورة اعلاه. نظرية المصمم الذكي لاتتطابق مع اغلب القواعد اعلاه للحصول على صفة العلمية. مثلا يشار الى ان نظرية " المصمم الذكي" قد وضعت مسبقا الهدف من سعيها وهو البحث عن براهين علمية لايمانها الديني ، وبالتالي فقد وضعت الاستنتاج وتبحث له عن فرضية مناسبة تقود اليه بكل الاحوال. لهذا السبب من السهل فهم الشك الواسع الذي يحيط بإستنتاجاتهم الموجهة لتتطابق مع تمنياتهم، بالرغم من انها لاتصمد للنقد او تتطابق مع سير التفكير المنطقي. المبدأ الرئيسي الذي يتمسك به العلم ان الابحاث العلمية يجب ان تكون بعيدة عن المعتقدات والقيم المسبقة، وان تترك للنتائج وحدها تقرير الاستنتاجات بغض النظر عما اذا كانت تتطابق مع قيم الباحث المسبقة ام لا.
هناك مجموعة كبيرة من النواقص الاخرى التي تعاني منها هذه النظرية. انها لاتقدم اي فرضية او مقولة علمية يمكن البرهنة عليها او تجربتها، كما انهم لايقدمون اي ردود على البراهين التي تقدم لهم ويتابعون استخدام حججهم القديمة بدون مراعاة الردود او التعبير عن وجهة نظرهم بشانها، وانه يظهر وكأن النقد الموجه اليهم لايعنيهم على الاطلاق. احدى اهم الاعتراضات عليهم ان مايقدمونه من استنتاج عن وجود مصمم ذكي انه ليس فرضية او اقتراح قابل للنقاش وانما استنتاج نهائي ومؤكد ليس خاضع لاعادة النظر او الاعتراض، وهذا يتعارض مع كافة القواعد العلمية ويعيد الوصاية الدينية.
النظرية العلمية يجب ان تخضع لقوانين الطبيعة
المشكلة الرئيسية في نظرية المصمم الذكي انها تحيلنا الى استنتاج خارق مافوق الطبيعي. العلوم الطبيعية تصف المبادئ التي يقوم عليها العالم بإعتبارها نتيجة قوانين المادة. لهذا السبب فأن اي نظرية تشير الى ان الاسباب خارج قوانين الطبيعة لايمكنها ان تكون عائدة للعلوم الطبيعية. الظواهر البيلوجية لها دائما تفسيرات طبيعية ويجب ان تتبع مبدأ ان كل شئ مترابط مع بعضه في سلسلة من الاسباب ورد القعل.
نظرية المصمم الذكي تملك نقطة ضعف اخرى، ان "المصمم" المدعى لايمكن ان نملك عنه اي تصور او برهان او حتى قدرة على البرهنة عنه. بمعنى اخر لايمكن السيطرة على هذه النظرية. في الكتاب الشهير
"Why Intelligent Design Fail"
الذي صدر عام 2006 نجد الملاحظة التالية:" رجال العلوم المزورة يستخدمون عادة مصطلحات خاصة بهم وتعاريف ضعيفة وفضفاضة من اجل اخفاء إنعدام وجود مضمون منطقي". هذا الامر لانجده فقط عند اتباع نظرية المصمم الذكي، بل عند اغلب من يحاول اضفاء العلمية على النصوص الدينية، بما فيه اتباع الاعجازات العلمية
المحكمة تحكم بلاعلمية نظرية المصمم الذكي
في احدى المدارس الامريكية، في مدينة دوفر العائدة لولاية بنسيلفانيا قررت ادارة المدرسة عام 2004 انه سيعرض على طلبة البيلوجيا خيار بديل عن نظرية التطور هو نظرية المصمم الذكي. هذا القرار ادى الى اعتراض سبعة من اولياء امور الطلاب ، ونظروا الى الامر على انه محاولة لتسلل التعليم الديني وهو امر يتعارض مع الدستور، لذلك تم رفع الامر الى المحكمة. كانت هذه هي المرة الاولى التي تقرر فيه المحكمة مدى علمية النظرية، مما خلق اهتمام كبير
.
عام 2005 اعلن القاضي جون جونيس الثالث،
Jon Jones III
في المحكمة الفيدرالية المحلية لمدينة هاريسبورغ حكمه الذي تضمنته 139 صفحة من الدراسات والشهود والبراهين، ان نظرية التصميم الذكي نظرية غير علمية ولايجوز تدريسها في بديلا او في حصة البيلوجيا وان ادارة المدرسة خرقت الدستور الامريكي لفرضها تعليم النظرية. المحكمة اطلقت على النظرية تسمية " قصة الخلق"، وايضا "بديل ديني يختفي تحت عباءة النظرية العلمية". العديد من المؤسسات العلمية ايدت المحكمة في حكمها، ومنهم الاكاديمية الوطنية العلمية والتي كان قد وافق الطرفين على تحكيمها واعتبراها افضل المراجع العلمية في البلاد. قرار المحكمة تضمن ثلاث حجج رئيسية على عدم علمية النظرية:
الاول: نظرية التصميم الذكي تخرق القاعدة المعمول فيها في البلاد منذ اكثر من مئة سنة والتي تعارض الاشارة الى القوى الخارج الطبيعة لتفسير الظواهر الطبيعية.
الثاني: مصطلح "التعقيد الغير قابل للتقليص" يستخدم نفس الحجج التي استخدمتها نظرية " الخلق" القديمة والتي كانت على الاطلاق وعلنا ذات روابط دينية وحاولت ربط الدين بالعلم.
ثالثا: طعن نظرية التصميم الذكي بنظرية التطور لاتتفق معه كافة المؤسسات العلمية وجرى رفضه جملة وتفصيلا على انه بدون اساس.
قرار المحكمة التفصيلي والقائم على شهادات العلماء ودراسات المعاهد العلمية ادى الى ردود فعل ايجابية في الكثير من المدارس الامريكية. في المدرسة المعنية سقطت الادارة القديمة في الانتخابات عام 2005.
التوضيحات الخارقة لاتوضح اي شئ
احدى اهم الاعتراضات على نظرية التصميم الذكي تتعلق بمفهوم " الاحتمالات". النظرية تتدعي ان بعض العلاقات في العالم البيلوجي من التعقيد الى درجة انه احتمال ظهورها بنتائج عملية بيلوجية متراكمة يقترب من الصفر. ولكن هل يمكن القبول بالقول ان احتمال حصول ظاهرة خارقة وغير طبيعية اكبر من احتمال حصول عملية طبيعية مهما كان الاحتمال صغيرا؟ ماهي قوة الحجة التي ترفض تفسير ظاهرة طبيعية بإحتمال صغير للغاية وتقدم تفسيرا بديلا احتماله اصغر، كما تفعل نظرية المصمم الذكي؟
ان اغلب البيلوجيين يعتبرون ان وجود مساحات لازالت نظرية التطور لاتستطيع توضيحها لايمكن ان يكون سبب لتبني تفسير يقوم على وجود إله. انهم يشيرون الى انه لايجوز استخدام مرهم " الله" لمعالجة ثغرات معرفتنا، تماما كما كان يفعل الانسان القديم الذي التجأ الى اختراع الاشباح والارواح والالهة لتغطية جهله. وإذا كنا سنقم بإستخدام مرهم الله لتغطية الثغرات المعرفية ماذا سنفعل بهذا الله بعد ان نكتشف السبب الحقيقي؟
ان الانسان تمكن من قطع مسافات هائلة على قاعدة قواعد البحث العلمي الكلاسيكي التي لايوجد فيها مكان لله، ونظريات الخلق لم تقدم للانسانية اي مكسب حقيقي على طول العصور، فلماذا علينا الان ان نتخلى عن قواعدنا لصالح القديم الذي كان لديه الكثير من الزمن للبرهنة على صلاحياته، ولماذا علينا ان نعتقد ان قواعد العلم الكلاسيكية لم تعد قادرة على تقديم المزيد من الاكتشافات؟
من الضروري الاشارة الى ان نظرية التصميم الذكي ليست النظرية الوحيدة التي تحاول ان تتوشح بوشاح العلمية للحصول على مكاسب خاصة، بل توجد هناك العديد من النظريات الممائلة ومنها ماهو معروف تحت اسم هوميباتي
: Homepati.
اتباع هذه النظرية يقومون بمعالجة المريض بمواد طبيعية كالتي يقوم جسم انسان سليم بفرزها لمعالجة عوارض مشابهة للعوارض المرغوب معالجتها عند المريض المعني. المثير في هذا العلاج ان الاكسير المقدم يضاف اليه الماء الى درجة لايبقى مركب واحد يتشابه مع المادة الفعالة الاصلية. غير ان اتباع هذه الطريقة يصرون على ان الفعالية لاتتأثر لان الاكسير يبقى " متذكر" التأثير المطلوب الذي لايزول وكأنه بصمة اصبع وتزداد قوته من خلط الماء والكحول، ولكن هذا لايمكن تفسيره او البرهنة عليه..ومع ذلك تجد لها اتباع.
نظرية اخرى تربط نفسها بعلم الفلك حيث تتدعي ان حركة الكواكب والشموس تؤثر مباشرة على مصيرنا. هذا التأثير يمكن كشفه وقرآته اذا كنا نعلم يوم الولادة ومكانه. المنجمين بعلم الافلاك يقارنون مكان النجوم المتحركة على خلفية النجوم الغير متحركة ويقسمونهم الى اثنى عشر رمز. الشمس والقمر يعتبرون كالكواكب، وحتى اسماء الكواكب تعبر انها تؤثر على مصيرنا. قراءة النجوم تجري منذ عصور ولكن في الفترة الاخيرة جرى اكتشاف كواكب جديدة. هذه المشكلة يحلها قراء النجوم من خلال الادعاء ان النجوم تؤثر علينا من لحظة اكتشافها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق